لنأتي إلى صميم الموضوع مباشرة.. ما هي المشكلة؟
المشكلة أنه وفقاً لما تحدده التوراة فإننا نجد أن هناك تحديداً قاطعاً لتاريخ خلق الله تبارك وتعالى آدم, ومتى حدث الطوفان, ومتى ولد نوح ومتى توفي, ومتى ولد إبراهيم.. إلى آخره, تحديداً قاطعاً في هذه القضايا.
وذلك أنهم حسب ما رأت الكنيسة -وهو المشهور في ذلك- وما كتبه الأسقف آشر ، وكان يُكتب على هوامش نسخ من الكتاب المقدس: هو أن الكون خلق عام 4004 قبل الميلاد! الكون كله، وبالذات آدم عليه السلام؛ لأنها كلها في أيام متلاحقة, وهذا يعني: أنه قبل ميلاد المسيح عليه السلام بحوالي 4000 سنة خُلق كل شيء.
فالذي أدى إلى الشك في هذا هو أنه إذا كان هذا حدث فعلاً؛ فلماذا عندما نقرأ التاريخ اللاديني -التاريخ الآخر الذي كتبه العلماء والمؤرخون- نجد فرقاً هائلاً كبيراً جداً بينهما؟
الحل كان في أول الأمر سهل، وهو أن يقال: إن التاريخ الديني هو الحق، ولا يتصور الإشكال, ولا يتصور خلاف! لأن ما قاله الله هو الحق, وما في التوراة هو الحق, وما سواه كله باطل، وقد دافعت الكنسية فترة عن هذه القضية بهذا الدفاع.
لكن بعد فترة تبين أن الأمر مقلق؛ فهناك اكتشافات, وحقائق ظهرت أكثر فأكثر تدل على أن هناك آماداً وأحقاباً وقروناً كثيرة بين هذا وهذا! وأن هذا التاريخ وهذا التحديد لا يمكن أبداً أن يكون حقيقة على الإطلاق.
لعل هنا طرفة -وهي حقيقة ولكنها طريفة جداً- حدثت في القرن العشرين!
عندما كان الرئيس كلينتون حاكماً لولاية أركنسو -وهي من ولايات حزام الإنجيل في أمريكا- كان هناك معركة بينه وبين المنافس له، والمعركة هذه حول: هل نقرر في هذه الولاية نظرية التطور أي: نظرية الخلق, أو نقرر ما في التوراة من أن الخلق خُلق في هذا التاريخ المحدد؟ وهذا يدل على أنها قضية لم تمت, وأنها قضية حية فاعلة، وفي الكتاب الذي كُتب عن حياة كلينتون فيه تفصيل لهذه القضية، وكيف أن زوجته وقفت معه، ووقف اتحاد الحقوقيين الأمريكيين معه، ووقف بعض القضاة معه، حتى تأيد الحكم بألا تدرس هذه النظرية وفق التوراة وإنما تدرس وفق العلم؛ فهي قضية مشهورة جداً في الفكر الغربي، ولا تزال موجودة في أمريكا بالذات؛ لكن ربما في أوروبا اندثرت.
على سبيل المثال: عندما تحدد التوراة فتقول:
في العام الأول أي: عام 4004 قبل الميلاد خلق آدم.
وفي عام 129 كثر الناس وظهر فيهم الفساد.
وفي عام 1656 حدث الطوفان.
وفي عام 1757 بدأ تشييد برج بابل.
وفي عام 2083 بدأت دعوة إبراهيم.
هل هو من تاريخ إبراهيم عليه السلام؟!
ثم بعد ذلك بـ430 سنة أنزلت التوراة على موسى عليه السلام, يعني: كان إرسال موسى عليه السلام.
هذه محددة بدقة، ومن ضمنها جداول التوراة التي بين أيدينا.
وهنا للإنصاف لا بد أن يقال: إن هناك اختلافاً كبيراً بين نسخ التوراة ؛ فالحقيقة أن التوراة مختلفة النسخ في هذا، وهذا يفتح باباً للحل ولكن يفتح باباً للإشكالية!
فلدينا جدول مثلاً يوضح لنا أن هناك ثلاث نسخ من التوراة ؛ فلدينا النسخة العبرية، ولدينا النسخة السامرية، ولدينا النسخة اليونانية، وبهذا نجد أن في النسخة العبرية بين خلق آدم عليه السلام وبين نوح ألفاً وستمائة وستة وخمسين سنة؛ لكن في النسخة السامرية نجد أن الفرق هو ألف وثلاثمائة وسبع سنين، وفي النسخة اليونانية نجد أن الفرق ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع